بحث شامل عن مرض الموت وطلاق الفرار وأثار الطلاق للفرار وأحكامه على الميراث وفقا للمذاهب الأربعة

 ما هو مرض الموت وطلاق الفرار وأحكامه شرعا وقانونا وتأثير الطلاق للفرار على الميراث وفقا للمذاهب الأربعة؟

ما هو مرض الموت وطلاق الفرار وأحكامه شرعا وقانونا وتأثير الطلاق للفرار على الميراث وفقا للمذاهب الأربعة؟

مقدمة:
بسم الله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وبعد، إن من مقاصد الشريعة الإسلامية إتمام العدالة الاجتماعية وقد كان الميراث في الجاهلية ينحدر من المورث إلى ابنه الأكبر فقط ثم رقي الأمر إلى أن يأتي الميراث من الأب إلى أبناءه الذكور دون الإناث حتى بعث الله نبيه الهادي بدينه المنير فأصبح للمرأة حق في الميراث كالولد فقال تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً){النساء:7}.
إلا أن قد يجول في خاطر رجل قد شعر بدنو أجله لسبب مرضه فرغب أن يطلق زوجته خلاصا منها وتخليصها من تركته فأنس رغبته وأطلق قراره وقام بتطليق زوجته وهو بكامل إرادته العقلية والإدراكية وهذا ما يسمي بطلاق الفرار، فما صحة طلاقه؟ وهل ينفذ الطلاق في عدم ميراث الزوجة عن طليقها ؟
وهذا ما سنوضحه في الآتي:

المبحث الأول: ماهية مرض الموت وطلاق الفرار؟

المطلب الأول: ما هو تعريف مرض الموت لغة واصطلاحا؟

المرض لغة: الشك، النفاق كقوله تعالى " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" صدق الله العظيم وأيضا السقم {البقرة-9}.
المرض اصطلاحا: ما يخرج به البدن عن حالة الاعتدال الطبيعي.
مرض الموت: هو المرض الذي يحكم أهل الخبرة الموت منه وان لم يكن غالبا وهذا عند المالكية وبعض الشافعية، او الذي يخاف منه الموت غالبا عند أبي حنيفة والشافعي وبعض المالكية.

المطلب الثاني: ماهية طلاق الفرار؟

الطلاق لغة: حل الوثاق ومصدره الإطلاق أي الإرسال.
اصطلاحا: حل قيد النكاح بلفظ الطلاق وما شابهه.
الطلاق للفرار: هو طلاق الزوج زوجته بائنا وهو في مرض الموت دون رضاها.

المبحث الثاني: صحة طلاق الفرار وما يترتب عليه من احكام ومنها توريث المطلقة.

المطلب الأول: ماهي صحة طلاق الفرار شرعا؟

اتفق جمهور الفقهاء-حول صحة من يطلق زوجته دون رضاها وهو في مرض موته دون النظر لآثاره مادام وقع بالإدراك والإرادة المنفردة وقصد التفريق وصدر من بالغ لرشده وتلك شروط صحة الطلاق.
و ما دام صح الأمر شرعا فلا بد أن يترتب عليه آثار ومن بين تلك الآثار مدي استحقاق المطلقة الرجعية والبائنة والمبتوتة ومن صح زوجها بعد مرض موته للميراث عن زوجها وهذا ما سنعرضه في الآتي:

المطلب الثاني: نظرة الفقه الإسلامي لتوريث المطلقة الرجعية من طلاق الفرار.

ولما كان الطلاق ينقسم من حيث الرجعة وانقضاء عدتها ما بين طلاق رجعي وطلاق بائن وان كان ببينونة صغرى أو كبرى فقال تعالي: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ {البقرة: 228، 229}.

لذا هل يعتد بالطلاق الرجعي في التوريث؟

الطلاق الرجعي: هو تطليق الرجل لامرأته دون ثلاث تطليقات ولم تنقضي عليها مدة عدتها، فقال تعالي "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" صدق العلي العظيم [البقرة: 231].
طلاق الفار الرجعي- يقصد به من طلق امرأته أثناء مرض موته طلقة أولى أو ثانية قاصدا حرمانها من إرثه ثم مات خلال عدة الطلقة الأولى أو الثانية، لذا فإننا نعرض الآراء الفقهية حول توريث المطلقة بطلاق فار رجعي:
الرأي الأول: الشافعية.
اتفق الشافعي وأصحابه على توريث المطلقة الرجعية من طلاق الفرار إذا ما مات الزوج أثناء عدتها.
فقال الهاوردي – الطلاق الرجعي لا يقطع التوارث بين الزوجين ما لم تنقض العدة فإذا انقضت عدتها فلا توارث بينهما.
الرأي الثاني: الحنفية.
ذهب أصحاب هذا المذهب إلى توريث من طلقها زوجها أثناء مرض موته مادامت عدتها لم تنقض لأن الرجعي لا يزيل النكاح حتى حل وطؤها، ويتوارثان فيما بينهما في العدة مطلقا .
الرأي الثالث: المالكية.
رأي الإمام مالك وأصحابه ان إذا ما طلق الرجل زوجته الغير مدخول بها فلها نصف الصداق وترثه وان وطأ بها ثم طلقها فلها المهر كله وترثه فالبكر والثيب سواء.
الرأي الرابع: الحنابلة.
اتفق أصحاب هذا الرأي مع ما سار عليه جمهور الفقهاء حول حق المطلقة الرجعية من طلاق الفار 2 الميراث عن زوجها إذا ما مات أثناء عدتها.

المطلب الثالث: الفقه الإسلامي وتوريث المطلقة البائنة ببينونة صغرى و المبتوتة بطلاق الفار ما بين القطع والتوريث.

الطلاق البائن ببينونة صغرى: هو انتهاء عقد النكاح نتيجة انقضاء عدة الطلاق الرجعي ولا يحق للزوج مراجعتها إلا بعقد ومهر جديدين وبرضا الزوجة.
الطلاق البائن بينونة كبرى: هو ما كان متمما للثلاث طلقات ولا تحل الزوجة لمطلقها إلا أن تنكح غيره فقال تعالي "فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" صدق العلي العظيم {البقرة.230}
لم نجد خلافا فقهيا حول حق المرأة المطلقة طلاقا رجعيا عن طلاق الفرار في الإرث عن زوجها إذا ما مات أثناء عدتها من الطلاق الأول أو الثاني ولكن ماذا لو مات بعد انتهاء عدتها الرجعية وأصبحت بائنة ببينونة صغرى أو مبتوتة؟ انقسم أهل الفقه الإسلامي إلى:
الرأي الأول: جمهور الفقهاء.
وعلى رأسهم أبى حنيفة والإمام أحمد وابن مالك قد اتفقوا على مسألة واختلفوا في شروطها.
1- وجه الاتفاق:
قال ابى حنيفة المبتوتة ترث عندنا وسايره باقي أصحاب هذا الرأي مادام كان الطلاق بدون رضاها والمرض متصل بالموت.
الدليل:
أ‌- احتج أصحاب هذا الرأي بما روي عن عثمان رضي الله عنه قد ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حينما طلقها ثلاث أثناء مرض موته.
ب‌- ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه قال إن المبتوتة في مرض الموت ترث.
ت‌- وأضافوا أيضا وان كان يمنع قاتل مورثه من الميراث فيقاس عليه يمنع المورث المريض من حرمان وارثه.
2- ما اختلفوا فيه:
اختلف أصحاب هذه الرأي في شروط استحقاق المبتوتة بطلاق الفرار للميراث عن زوجها:
الحنفية، والامام أحمد: المبتوتة بطلاق فرار تستحق الإرث عن زوجها مالم تتزوج بزوج غيره ومازالت في العدة.
ابن مالك: لا يسقط إرثها عن زوجها وإن نكح فرجها غيره .
اختلف أهل هذا الرأي ومعهم الشافعية في عدة الفار:
المالكية والشافعية وأبو يوسف الحنفي:
يروا أن عدة زوجة الفار لا تعتد بأبعد الأجلين وانما تكمل عدة الطلاق لان زوجها مات وليست زوجة له فهي بائنة من النكاح لا من الوفاة.
الحنابلة والحنفية: يروا من الأحوط أن تعتد بأطول الأجلين من عدة الوفاة، والطلاق أي تتربص أربعة أشهر وعشرا من وقت وفاة زوجها وإن لم تر حيضها فيها تربصت ثلاثة أشهر بعدها .
الرأي الثاني: الشافعية.
قال الهاوردي للشافعي في اتصال مرض الفار بالموت قولين وردا في الرجعة والعدد والإملاء:
القول الأول: أنها ترث وبه قال الصحابة عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم ومن الفقهاء مالك الليث وأبي حنيفة وبن حنبل.
الثاني: لا ترث وبه قال عبد الله بن الزبير وابن أبي مليكة وهذا هو الأرجح والأقيس عنده.
الحجة والرد: يحتج الشافعي على قوله وردا على جمهور الفقهاء بالآتي:
1- حديث لابن المكي عن الرسول صلى الله عليه وسلم " لا ترث المبتوتة".
2- ما استدل به أصحاب الرأي الأول انهم استدلوا بإجماع الصحابة رغم وجود خلاف حينذاك في عهد عثمان حينما قال عبد الله بن الزبير" لو كنت أنا لم أر أن ترث المبتوتة" وهو صحابي من أهل الاجتهاد في أيام عثمان رضي الله عنه.
3- ما روي عن عثمان بأنه ورث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو يحتمل أن عثمان قد صالحها بجانب أن أبا سلمة وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ويكون ابنها قد روي أن أمه هي من سألت زوجها الطلاق فغضب وطلقها وعند أبي حنيفة أن زوجة الفار لا ترث إن سألت الطلاق.

المطلب الرابع: وقوع الفرار ما بين الصحة من مرض الموت وعدة المطلقة.

قد يطلق الرجل زوجته وهو على فراش مرض الموت سواء وما كانت زوجته لم تنقض عدتها فصح جسده ولم يعد مرضه متصلا بالموت ثم مات دون المرض الذي وقع فيه الطلاق فكيف رأى أهل الفقه الإسلامي حقها في الإرث؟
الرأي الأول: الإمام أحمد.
رأي الإمام بن حنبل أن إذا طلق الرجل زوجته في مرض موته ثم صح جسده ثم مات فحكمه حكم طلاق الصحة فلا ترثه زوجته.
الرأي الثاني: بن مالك.
كان للإمام بن مالك رأي في تلك المسألة وهو اعتبار ان كل طلاق يقع أثناء مرض موصول بالموت بقصد الفرار لا يمنع الزوجة عن الميراث شريطة الموت يكون أثناء عدتها.
الرأي الثالث: أبي حنيفة. 
اتفق أبو حنيفة مع أصحابه إلا زفر أنها ترثه مادام مات في عدتها وكان الموت نتيجة مرضه أما لو مات أثر مرض غيره فلا ترثه وان كان في عدتها أما الزفر قال وان مات أثر مرض غيره فإنها ترثه مادام عدتها لم تنقض .
الرأي الرابع: الشافعي.
رأى الشافعي أنها لا ترث قطعا سواء كان الطلاق أثناء مرض الموت ثم صح جسده ثم مات نتيجة ذات المرض أو مات أثر مرض آخر فسبب الميراث قد انقطع بالطلاق دون النظر للمقصد.
يمكنكم التواصل معنا لتقديم خدمات الاستشارات القانونية وصياغة الأبحاث القانونية والشرعية: +201062764289
الخاتمة:
وهذا وقد انتهينا بفضل الله وتوفيقه من إيضاح نظرة الفقه الإسلامي إلى مسألة طلاق الفرار وما ترتب عليه من أحكام ومدى استحقاق الزوجة المطلقة بطلاق الفار للميراث عن زوجها وما استقر عليه البحث:
أولا: اتفق الفقه الإسلامي على وقوع طلاق الفار من حيث الصحة ما دام وقع بالإدراك والعقل والبلوغ والقصد.
ثانيا: اتفق جموع الفقهاء على توريث المطلقة بطلاق رجعي وان كان طلاق للفرار.
ثالثا: اتفق جمهور الفقهاء ومعهم رأي للشافعية ماعدا بن مالك على توريث المبتوتة أثر طلاق الفار بشرط:
1- ان تكون أهلا للميراث.
2- ان يكون الموت أثناء العدة ولم تتزوج من غيره.
3- ان يكون الطلاق بغير رضاها.
رابعا: رأي الشافعي أن المبتوتة لا ترث قطعا لانقطاع سبب الميراث.
خامسا: اختلف الفقهاء فيما بينهم على توريث من طلقها زوجها في مرض موته ثم صح ثم مات ما بين قول: انها ترث مادام مات في عدتها وقول: ترث وان مات بسبب مرض آخر والآخر: ترث بشرط ان يموت بنفس المرض.
وهذا وبالله التوفيق..
المراجع- APA:
- أبو بكر محمد بن إدريس الاندلسي. (1331هـ). أحكام القرآن الكريم لإبن العربي (المجلد الثالثة). دار الكتب العلمية. تم الاسترداد من https://shamela.ws/book/1464
- أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر. (1414هـ). الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (المجلد الأولى). دار قتيبة للنشر. تم الاسترداد من https://waqfeya.net/book.php?bid=1457
- أبو محمد بن عبدالله بن أبي زيد القيرواني. (1432هـ). الذب عن مذهب الإمام مالك (الإصدار الأول، المجلد الأولى). المملكة المغربية- الرابطة المحمدية للعلماء. تم الاسترداد من https://shamela.ws/index.php/book/18606
- جار الله أبو القاسم بن عمر الزمخشري. (407هـ). رؤوس المسائل {المسائل الخلافية بين الحنفية والشافعية} - م.291- ص. 418/419 (المجلد الأولي). مكة المكرمة. تم الاسترداد من https://waqfeya.net/book.php?bid=12515
- محمد بن علي الحصكفي. (1423هـ). الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (المجلد الأولي). بيروت: دار الكتب العلمية. تم الاسترداد من https://shamela.ws/book/14250/2
- موقع اسلام ويب – طلاق الفار وما ينبني عليه من أحكام – الفتوي 308362- تاريخ 21/9/2015م. طلاق الفار وما ينبني عليه من أحكام (islamweb.net
)

taha hawash
بواسطة : taha hawash
محامي حر وصاحب موقع العداله
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-