بحث عن مشروعية الميراث الرقمي وحسابات التواصل الاجتماعي فقها وقانونا
ولما كانت الحاجة الملحة لإلقاء الضوء على التطبيق الفعلي للميراث الرقمي فلزاما علينا توضيح كيف نظر الفقه والقانون للتركة الرقمية؟ وهذا ما سنتناوله في المطلبين التاليين:
المطلب الأول التكييف الفقهي للميراث الرقمي:
في الأصل اتفق الفقه الإسلامي حول رأي واحد وهو مشروعية الميراث الرقمي ذات الطابع النقدي مثل الحسابات المصرفية على الانترنت كحسابات PayPal وعدم مشروعية توريث الأصول ذات الطابع الشخصي فقط.
إلا أن اختلف الفقه الإسلامي حول مشروعية الميراث الرقمي ذات الطابع الاجتماعي والفكري والعاطفي وكذا الأصول التي غلب عليها الطابعين الشخصي والمالي معا ما بين:
جمهور الفقهاء: ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة والزيدية إلى جواز توريث الأصول الرقمية ذات الاعتبار الاجتماعي مثل Facebookوالعاطفي والفكري مثل YouTube وكل ما دخله طابع مالي حتى وان شاركه الطابع الشخصي فيها لأسباب:
1- وإن كانت تلك الأصول ليست مالا متقوما يمكن حيازته فالعبرة منها هي المنفعة فقط لذا فإنه يجوز اعارة الحقوق الفكرية وبراءة الاختراع فقال بن عبد البر" من كلام العرب ان كل ما تملك وتمول فهو مال" لذا فإن حق الانتفاع يختلف عن ملكية المنفعة من ناحية النشأة والأثر1
2- ما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم " من ترك مالا او حقا فلورثته" فقد شمل الحديث توريث الحق مع التفريق بينه وبين الأموال.
الحنفية والظاهرية: اعتصموا سويا حول عدم جواز توريث الأصول الرقمية ذات الاعتبار الفكري والاجتماعي والعاطفي وكذا التي يشملها الطابع الشخصي والمالي:
1- لكونها ليست مالا يمكن حيازته وأنها من حقوق الانتفاع لكون ان الشخص لا يمكن تملكها لأن حق الانتفاع ينتهي بوفاة المنتفع او انتهاء أجله او هلاك المحل.
2- ان الحقوق الفكرية لا تمسها الطبيعة المالية لأنها تقع على شيء غير مادي.
1- التكييف الفقهي للميراث الرقمي " دراسة فقهية مقارنة" 2054 د. عبدالرحيم محمد عبدالحليم.
الرأي الراجح: نرجح القول الأول لقربه للسنة وللمعقول كما ما يدعم هذا القول قرار مجمع الفقه الإسلامي باعتبار حقوق التأليف والاختراع والابتكار حقوق مالية 1
المطلب الثاني: التكييف القانوني للميراث الرقمي.
تمثل مشكلة الحق في النسيان وتعلقها بحماية الخصوصية عقبة للتطبيق القانوني للميراث الرقمي لذا هل تنتقل التركة الرقمية بما تحتويه من حق يتعلق بخصوصية المتوفي لخلفه العام أم يستبعد منها الحقوق الشخصية؟
تواترت القرارات القضائية والفقهية:
الاتجاه الأول: يري بأن الحق في الخصوصية هو حق لصيق بالإنسان فإنه ينقضي بانقضاء حياة صاحبه لذا فإن التركة الرقمية بأكملها تنتقل للخلف العام وحتى وان احتوت على بيانات تتعلق بخصوصية المتوفي.
وهذا ما أيده قانون ديلاوير الذي أجاز انتقال كامل التركة الرقمية للخلف العام وقد أصدرت محكمة استئناف كاليفورنيا حكما بعدم احقية ورثة جيسي جيمس في المطالبة بوقف عرض الفيلم المسيء له.
الاتجاه الثاني: يري أن الحق في الخصوصية لا ينتهي بانقضاء الشخصية القانونية للإنسان لذا فإنه لا تنتقل التركة الرقمية التي تتسم بالخصوصية للخلف العام فالإنسان له الحق في حماية خصوصيته حيا او ميتا.
وهذا ما قررته محكمة استئناف إنجلترا وويلز في القضية الشهيرة the fair star heavyبعدم إضفاء صفة الملكية علي بريد الالكتروني الخاص بالمتوفي حرمة لخصوصيته بعد وفاته2.
1- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالعدد 5 ج3 – ص 2267
2- مجلة الفكر القانوني والسياسي – التركة الرقمية والحق في الخصوصية -المجلد السادس-العدد الأول – ص662-678
الخاتمة:
عرضنا موجزات عن الميراث الرقمي تتضمن في ماهيته واشكاله والمشكلات التي تواجه تطبيقه ثم انتقلنا إلى مدي مشروعيته فقها وقانونا ووجدنا أن:
1- الميراث الرقمي يختلف في طبيعته عن الميراث الاعتيادي ومع ذلك فإنه يشكل أهمية كبيرة اقتصادية ومالية.
2- الفقه الأمريكي يؤخذ عليه أنه توسع في توريث التركة الرقمية وغض بصره عن الحرمة الإنسانية وفي النقيض توافق الفقه والقضاء اللاتيني والإنجليزي مع الفقه الإسلامي في احترام حرمة الانسان ولو ميتا مع إجازة توريث تركته الرقمية ماعدا الأصول التي تمس خصوصية المورث وهذا ما نؤيده.
المصادر:
1- مجمع الفقه الإسلامي الدولي – العدد 5 -ج 3-ص2267 قرار بشأن الحقوق المعنوية – مجمع الفقه الإسلامي الدولي (iifa-aifi.org)